كتب رئيس التحرير خالد صادق
تزعم الإدارة الأمريكية أنها تمارس ضغوطًا على «إسرائيل» من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الحدودية المتفق عليها، وهناك وعدٌ أمريكيٌّ للوسطاء للضغط على «إسرائيل» لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق قبل بدء أعياد الميلاد، كما أن هناك لقاءً سيجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو؛ لإقناع الأخير بالانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، أي أنه سيتم التفاوض على ما تم الاتفاق عليه سابقًا، وهذا معناه أن «إسرائيل» ستضع شروطًا جديدةً لصالحها تحصل بها على امتيازات جديدة دون تقديمها أية تنازلات لصالح الفلسطينيين، ويبقى الاتفاق معلقًا كالاتفاقات السابقة التي بقيت مجرد حبر على ورق وتنصلت منها «إسرائيل» بعدما حققت مكاسبَ لصالحها وامتصّت رحيقها وبصقت ما تبقى منه في وجه العالم الذي يقبل منها كلّ شيء وأي شيء طالما أن الأمر يصب في النهاية لصالحها.
«إسرائيل» تتذرع بأن المرحلة الأولى من الاتفاق لم تنتهِ بعد وأنه يجب على المقاومة الفلسطينية تسليم جميع الأسرى الأحياء والأموات لديها قبل الولوج للمرحلة الثانية، وأنه لم يبقَ إلّا أسيرٌ صهيونيّ واحدٌ ميتٌ لدى المقاومة، وعليها تسليمه أولًا دون السماح بإدخال الأدوات اللازمة للبحث والحفر وإزالة الأنقاض؛ لاستخراج جثث أسرى الاحتلال لدى المقاومة والتي تسيطر على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، وقد منعت إدخال فرق متخصصة للبحث عن الأسرى، ورغم ذلك استطاعت المقاومة الالتزام بتعهداتها وسلّمت كل الأسرى الأحياء والأموات للاحتلال، ولم يبقَ إلّا أسيرٌ واحدٌ لا تزال المقاومة تبحث عنه وسط أكوام الركام التي خلّفها الاحتلال أثناء عدوانه على قطاع غزة، فهل يمنع هذا الاحتلال من الولوج للمرحلة الثانية من الاتفاق؟ الإجابة تكمن في الشروط والتفاصيل والعراقيل التي يضعها الاحتلال والإدارة الأمريكية بتوافق ورؤية واحدة نذكر منها:
أولًا: إن أمريكا لا تمارس ضغوطًا حقيقية على «إسرائيل» للالتزام بما تم التوافق عليه وتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وضغوطها شكلية فقط.
ثانيًا: إن «إسرائيل» ترى أنها لم تحقق كلَّ أهداف العدوان على قطاع غزة، وهذا يضعف من موقف نتنياهو وحكومته؛ لذلك فهو يعمل على إدامة الحرب لأطول فترة ممكنة، الأمر الذي تعلَمُهُ أمريكا جيدًا وتتجاهله عمدًا.
ثالثًا: إن «إسرائيل» ترغب قبل الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق بتعهُّد الإدارة الأمريكية والوسطاء بتجريد المقاومة من سلاحها بإشراف إسرائيلي مباشر على تنفيذ تسليم السلاح؛ لضمان شلّ قدرة المقاومة.
إذاً الخلاصة: إن «إسرائيل» تبحث عن ذرائع وتجيد المراوغة وتأخذ الوقت الذي تريد؛ لأجل تنفيذ الاتفاق ورغم أنها وقّعت ووافقت عليه إلّا أنها ارتكبت كلَّ الخطايا والجرائم لأجل إفشاله، فوزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت أنه منذ وقف إطلاق النار (11 أكتوبر 2025) بلغ إجمالي الشهداء: 367 وإجمالي الإصابات: 953 وإجمالي الانتشال 624 وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 70,354 شهيدًا 171,030 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. ولا زال الاحتلال يمارس القتل بأبشع صوَرِه ولم يشبع غرائزه بعد وينتقل من حالة إلى حالة ومن مرحلة لأخرى وكلها تصب في خدمة سياسة القتل التي لا يجيد غيرها ولا يقتنع إلا بها، لكن ربما تكون هناك رغبة أمريكية للدخول في المرحلة الثانية وترغيب نتنياهو للولوج إليها من أجل مصلحة «إسرائيل» وأمريكا معًا، وتنفيذ مخطط التطبيع العربي الإسرائيلي وخلق شرق أوسط جديد يحلم به الرئيس ترامب وحكومته. ونحن على قناعة كاملة أن هناك توافقًا صهيوأمريكيًا بالاستمرار في سياسة قتل الفلسطينيين وإدامة معاناتهم إلى ما لا نهاية؛ لذلك فالولوج للمرحلة الثانية من الاتفاق لا يعني نهاية المأساة ولا يعني نهاية العدوان الصهيوني على قطاع غزة إنما سيأخذ العدوان شكلًا جديدًا بأدوات مختلفة وبأساليب أكثر خبثًا من سابقتها وهذا هو المعنى الجديد للوفاق على المرحلة الثانية من الاتفاق حسب الرؤية الصهيوأمريكية.


التعليقات : 0